علم البيانات كمسار وظيفي – ما هو وكيف يمكنك البدء فيه ومواكبة أبرز المستجدات
علم البيانات يعد أحد المجالات المزدهرة التي تتضمن الكثير من الفرص، ومن المهم توقع ما يمكن إيجاده عند الدخول لهذا المجال. إلا أنّ الكثير من الأشخاص الذين يتجهون لهذا المجال، لا يدركون حجم الإمكانيات التي يمكن القيام بها، أو المهارات التي يجب البناء عليها عند التفكير بالاتجاه إلى علم البيانات كخيار مهني. لذا، كيف يمكن للخبراء والطلاب الدخول في هذا المجال ليكونوا علماء بيانات فعالين؟
ويعتبر علم البيانات أحد المواضيع الرئيسة في سوق العمل في الآونة الأخيرة، لامتيازه بكونه أحد القطاعات الناشئة التي تجمع بين الإحصاء، وبرمجة الكمبيوتر، وبعض التخصصات الأخرى لحل المشكلات باستخدام البيانات. ويتضمن علم البيانات عدة تخصصات فرعية، إلا أنه يمكن التعريف به على أنه استخدام البيانات لحل المشكلات. إذ يتمثل دور علم البيانات في أخذ المعلومات الأولية من عدة مصادر (على سبيل المثال المستشعرات أو الأقمار الصناعية) وتحويلها إلى معلومات مفيدة تساعد في اتخاذ القرارات من خلال إيجاد الأنماط المناسبة ضمن المعلومات التي تم تجميعها مسبقًا.
وتتنوع أنواع المشكلات التي يمكن حلها باستخدام علم البيانات بحسب المجال الذي تنتمي إليه، منها على سبيل المثال:
- التنبؤ بالأحوال الجوية ويتم ذلك عبر تحليل الصور التي يتم التقاطها بالأقمار الصناعية حول العالم من أجل التوقع بأي عواصف ماطرة قد تضرب خلال فترة التوقع (عدة أيام)
- توظف متاجر البيع بالتجزئة معلومات العملاء التي تعمل على جمعها من خلال مشترياتهم من المواقع المختلفة للمتجر، إضافة إلى البيانات الديموغرافية حول مواقع العملاء من أجل توزيع القسائم الشرائية بناء على محل الإقامة، مثال: “قم بزيارة متجرنا الأقرب إليك واحصل على قسائم شرائية!”.
وبالمجمل، يحتاج علماء البيانات إلى العمل بشكل متكامل مع مختلف التقنيات والأدوات، وبناء المعرفة بنطاقاتهم والتواصل البناء مع كافة الشركاء. كما أنّه يتعين عليهم تقديم التحليلات المنطقية بصورة فورية لعدد كبير من البيانات المنظمة وغير المنظمة.
إذ أنّ القدرة على حل المشكلات تعد مهارة أساسية لعلماء البيانات بما يتيح لهم العمل على حل التحديات الواقعية في عالم الأعمال التي تستدعي حلولًا فورية. كما يتعين على علماء البيانات إجادة التواصل مع مجموعة من الأقران ممن لا يملكون أي معرفة تكنولوجية كونهم يملكون على الأغلب شركاء غير مضطلعين بكيفية عمل علم البيانات في الوقت الذي يطلب منهم تقديم ملاحظات بناءة لحل المشكلات التي تواجههم.
وعليه، فإن عالم البيانات يجب أن يتحلى بعدد من المهارات والمعارف الأساسية لكي يتمكن من النجاح في هذا المجال من أبرزها:
- قوة المهارات التحليلية – تحليل البيانات، الإحصاء، ومهارات إيجاد البيانات
- خبرة التعلم الآلي- التعلم الآلي، والذكاء الاصطناعي، والتعلم العميق من أبرز المهارات الفرعية المرتبطة بعلم البيانات
- الخبرة في البرمجة- فهم الخوارزميات، ولغات البرمجة مثل Python، وR وذلك لأهمية القدرة على صناعة التعلم الآلي ونماذج التحليلات الإحصائية
- المعرفة بعالم الأعمال – المعرفة الواسعة بعالم الأعمال تعد جزءًا بالغ الأهمية في عملية تطبيق المهارات والمعارف على التحديات الواقعية التي تواجه الشركة أو المؤسسة
- قوة مهارات التواصل – القدرة على أخذ البيانات، وتحليلها، ووضعها في النماذج المناسبة، ثم إيصالها إلى المتلقين الذين لا يملكون المعرفة التقنية الكافية
وقد ساهم التعليم في مجال علم البيانات في فتح آفاق جديدة للوظائف التقليدية وذلك لكونه مجالًا حيويًا يمكن تطبيقه في جميع الصناعات. إذ يعمل علماء البيانات على توظيف مهاراتهم في حل المشكلات بصورة فعالة تساعد على اتخاذ القرارات الصائبة عبر تحليل البيانات.
ولا يقتصر علم البيانات على البرمجة، بل يتسع ليشمل العديد من المجالات الأخرى مثل الرياضيات والإحصاء، وأبحاث الأعمال لما لها من أهمية لدى علماء البيانات حيث تساعدهم على فهم كيفية تفكير الأشخاص وما الذي يتوقعونه من الخدمات والمنتجات التي تقدمها لهم.
ومع تزايد الطلب على علماء البيانات في مختلف الصناعات، فقد بدا من الواضح أنّ هذه المهنة أصبحت واحدة من المهن الأكثر رواجًا اليوم! كما أنّ من الضروري ملاحظة أنه لا يوجد شهادة أكاديمية أو دورة مختصة في علم البيانات، فالعلماء الذين ينخرطون في هذا المجال يتوجب عليهم دراسة مجموعة من الدورات التدريبية إلى جانب مجموعة من المشاريع الخاصة بعلوم البيانات لإثبات القيمة المضافة لتطبيق مناهج علم البيانات. ولكونه مجالًا متعدد التخصصات، فإن العديد من علماء البيانات عادة ما يجمعون بين تخصصين فأكثر.
ويمكن للمؤسسات التعليمية العمل لبناء مهارات علماء البيانات عبر توفير الدورات التدريبية ذات العلاقة العملية بهذا المجال عبر توفير منصة مختصة للتعلم من خبراء الصناعة. أيضًا يجب تشجيع الطلبة على المشاركة في مشاريع الصناعة ومنافسات علم البيانات كلما أمكنه ذلك.
أيضًا يمكن للمؤسسات الأكاديمية العمل على بناء منظومة تحفز الطلبة على الإبداع وابتكار منتجات جديدة يمكن استخدماها في الصناعة. وهذه الشراكة بين التعليم الأكاديمي والصناعة هي بمثابة المفتاح لكون علم البيانات يعد مجالا عمليًا يسهم في تقديم الحلول لأبرز تحديات الأعمال.
من ناحية أخرى، تحتاج الصناعة إلى توفير الفرص المناسبة للطلاب ليتعلموا وينمو ويبرزوا قيمهم. كما يجب تصميم المناهج الدراسية وفقً للاتجاهات الحالية في السوق كي يتمكن الطلبة من بناء أساس قوي. أيضًا يجب إعطاؤهم الفرصة للعمل مع كبار المختصين في الصناعة لاكتساب الخبرة العملية وصقل مهاراتهم.
وعليه، فقد بدأت العديد من الجامعات حول العالم تزويد الخريجين بدورات تدريبية في مجال علوم البيانات. إضافة إلى وجود عدد من الجهات التدريبية في مملكة البحرين التي تقوم بتوفير هذا النوع من الدورات. فعلى سبيل المثال، تطرح جامعة البحرين برنامج الماجستير في علوم وتحليلات البيانات الضخمة، فيما يوفر معهد البحرين للدراسات المصرفية والمالية BIBF برنامج الماجستير في علم البيانات وتحليل الأعمال بالتعاون مع جامعة لندن.
ويتيح عمالقة الصناعة مثل لينكد-إن وفيسبوك فرصًا عديدة لعلماء البيانات من ذوي الطموح للدخول في مجال حل المشكلات التي تطرأ على الواقع. حتى أن جوجل دشنت دوراتها الجامعية التي تغطي مواضيع مثل تعلم الآلة والذكاء الاصطناعي (AI). مما يعني أن الطلبة سيكونون قادرين على الاستفادة من الخبرة العملية عبر التطبيق المباشر لهذه المشاريع القائمة منذ اليوم الأول.
وليتمكن الطلبة من التزود بما يلزم ليكونوا قادرين على المنافسة عالميًا، فإن عليهم حيازة المهارات التي ترقى لمستوى علماء البيانات العاملين حول العالم. وهو ما يساعدهم على فهم نقاط القوة والضعف بشكل عملي، وكيفية المقارنة مع الكفاءات المحلية والعالمية، مما يمكنهم من اتخاذ قرارات وظيفية مبنية على المعرفة.
كما يتعين على علماء البيانات الذين يسعون للمنافسة عالميًا إعداد ملف يتضمن مشاريعهم وأعمالهم في هذا المجال لعرضه على العملاء المحتملين. وهو ما قد يتضمن مستودع Github الذي يمكّن الطلبة من رفع رموز لمشاريعهم وأعمالهم لأصحاب الأعمال للتحقق منها. وهي طريقة فعالة لإظهار بعض المهارات والخبرات مما يميزهم عن غيرهم.
وعلم البيانات هو مزيج بين العلم الحاسوب والإحصاء. ففي حين قد يعتقد البعض أنّ القدرة على كتابة رموز البرمجة كافٍ للحصول على وظيفة كعالم بيانات، إلا أنّ الأمر يتعدّى تطوير الخوارزميات. كما يحتاج العالم إلى فهم الإحصائيات بشكل كافٍ لا يقتصر على اختبار النتائج، بل يتضمن شرحها بشكل واضح بلغة الأشخاص الاعتياديين وهو أمر لم يعتد عليه المبرمجون من قبل!
بالنظر إلى الاتجاهات المستقبلية، فإنه يوجد العديد من هذه الاتجاهات التي يتوجب على عالم البيانات الإحاطة بها والاستعداد لها إذا رغب في التميز في هذا المجال الذي يتسم بتسارع وتيرة المتغيرات فيه. وهو ما يتطلب البقاء على اطلاع بأبرز المستجدات في هذا المجال، وتطوير المهارات وإعادة التزود بالمهارات اللازمة. على سبيل المثال، هناك طلب متزايد على حلول أتمتة تعلم الآلة (AML). حيث يملك هذا النظام فرصة لإحداث ثورة في عالم تحليل البيانات عبر تقليص الوقت والتكلفة، واتخاذ القرارات بصورة فورية، وتمكين الأشخاص الذين لا يملكون المهارات التقنية اللازمة من الاستفادة من التقنيات الرائدة في مجال الخوارزميات.
كما أنّ التحليلات المعززة تعود على عملية وضع قيم جديدة من البيانات القائمة باستخدام تقنيات بصرية متطورة وأتمتة العمليات التي يقوم بها عالم البيانات. كما أن حلول الذكاء الاصطناعي الشاملة تلقى المزيد من الرواج لكونها إحدى أكثر المهارات طلبًا في هذا المجال كونها وسيلة تساعد المؤسسات على تكوين الرؤى حول أعمالهم دون الاستثمار الضخم في البنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات أو التعقيدات التي قد تتسبب بها البرمجة ودمج الأنظمة.
علاوة على ذلك، وفيما يتعلق بحرية البيانات أو ما يعرف ب” data democratization”: يمكن تعريف ذلك بأنه إتاحة الفرصة للجميع للوصول إلى البيانات التي يحتاجونها للتصور والحصول على الرؤى من بياناتهم الخاصة دون الحاجة إلى خبراء تقنيين! كما أنّ حرية البيانات قد تكون عاملاً رئيسيًا مؤثرًا عبر سماحه للمستخدمين من غير ذوي الخبرة والمهارة بالاستفادة من قوة أدوات التحليل التي كان يقتصر استخدامها في السابق على الخبراء في كتابة رموز البرمجة والخوارزميات، وهو ما يقود في النهاية نحو المزيد من الحرية في الشركات لكون الجميع قادرين على الحصول على المعاملة العادلة بغض النظر عن كونهم مبرمجين أو مهندسين، إلا أنّ هذا السؤال يبقى مفتوحًا للمستقبل.
وخلاصة الأمر، يمكن القول بأن علم البيانات هو أحد القطاعات المستجدة التي تحظى بمستقبل واعد. وهو مزيج بين الفن والعلم والمهارات اللازمة في كلا المجالين من أجل النجاح. ولمن يملك المهارات والشغف للتعلم سواءً كانوا محترفين أو مازالوا على مقاعد الدراسة، فإن هناك الكثير من الفرص الواعدة للنجاح والتميز في هذا المجال.