28.04.2022

٥ شركات عالمية بادرت بالتحول لتحقيق النجاح

 كيف ازدهرت أعمال الشركات الكبرى بعد تكيفها مع المتغيرات

 

التغيير هو الثابت الوحيد. تنطبق هذه المقولة إلى حدٍّ كبير على عالم الأعمال، ولهذا فإن التأقلم مع المتغيرات يعدّ مهارة حيوية وبالغة الأهمية للأفراد والمؤسسات. إذ أنّ إدارة أي عمل قد تحتم عليك مواجهة تحديات غير متوقعة قد تؤدي إلى إقصاء خدماتك ومنتجاتك خارج إطار المنافسة، أو حدث عالمي قد يغير من حياة الناس وطريقة تعاملهم مع الأعمال أو مع موجة التطور التكنولوجي المتسارع التي تؤثر على توقعات عملائك.

ولهذا، تحتاج المؤسسات باختلاف أحجامها سواء كانت صغيرة أو كبيرة إلى الاستعداد إلى التغيير والتحقق من وضع مبدأ التأقلم في جوهر إستراتيجياتها لضمان نمو وازدهار أعمالها.

وهناك العديد من الأعمال البارزة التي استطاعت التأقلم مع المتغيرات ليس فقط من أجل الحفاظ على نمو أعمالها، بل من أجل إحداث التغيير في القطاعات التي تعمل فيها، منها:

 

  1. Netflix

أحدثت نتفلكس ثورة في عالم صناعة الأفلام والمؤسسات في الوقت الذي كان عمالقة هذه الصناعة يحاولون الحفاظ على استمرارية نماذج أعمالهم التقليدية. ففي عام 1990 بدأت شركة نتفلكس أعمالها بخدمات إرسال الأقراص المدمجة DVDعن طريق البريد، ومع تراجع الإقبال على سوق DVD وبفضل رؤية الرئيس التنفيذي للشركة ريد هاستينجز في بدء خدمات البث التي تتيح للمشاهدين فرصة مشاهدة الأفلام عبر الإنترنت. استثمرت الشركة مبالغ طائلة لتطوير أنظمة البث واستحداث تقنيات جديدة وإطلاق خدمتها الخاصة “شاهد الآن” في 2007.

إن الرؤية الثاقبة لنتفلكس جعلت منها النموذج الأنجح عالميًا في مجال خدمات البث ووصل عدد المشتركين ما يزيد على 214 مليون مشترك حول العالم. اليوم، هناك القليل ممن لا زالوا يملكون جهاز مشغل DVD ولكن الأغلب قد شاهدوا مؤخرًا أحد أفلام نتفلكس الأصلية، وهي نقطة أخرى تضاف إلى السياسات التي تبنتها نتفلكس من أجل النمو ومواكبة التغيرات من خلال إضافة شركة إنتاج إلى أعمالها وصناعة المحتوى الخاص بها لتلبية الطلب المتزايد على المحتوى الجديد والمتنوع وتقليل كلفة الحصول على تراخيص العرض. وفي الوقت الذي تعد فيه نتفلكس خير مثال على توظيف أحدث الاتجاهات التكنولوجية وسلوكيات المستخدمين من أجل تطويع نماذج الأعمال والبقاء على صلة بأبرز المستجدات لتحقيق النجاح، فإن الحاجة إلى التغيير برزت مجددًا مع تداول أخبار تفيد بخسارة نتفلكس لما يزيد على 200 ألف مشترك في الربع الأول من هذه السنة، حيث عزت الشركة ذلك إلى تزايد المنافسة ومشاركة المستخدمين لبيانات الدخول لحساباتهم. وسنشهد في الأيام القادمة ما إذا كانت نتفلكس قادرة على إحداث التغيير في هذه الصناعة مجددًا، أو أن حصتها السوقية ستستمر في التراجع

 

  1. Western Union 

تأسست شركة ويسترن يونيون في سنة 1800 كشركة للطباعة والتلغراف، وكان معظم عملها خلال 15 سنة الأولى يتمثل في إرسال البرقيات. إلا أن هذا العمل بدأ في الانحسار مع ظهور وسائل أخرى للتواصل، مما دفع الشركة لتنويع خدماتها وإطلاق مسارات جديدة تضمنت خدمة التحويلات المالية. تمكنت الشركة من تحقيق النمو المتسارع في مجال التحويلات المالية وتوسعت عملياتها لتحدث ثورة في عالم التحويلات الدولية. واستمرت ويسترن يونيون في الابتكار، وتقديم حلول رائدة للتحويلات والمدفوعات بما يتناسب مع احتياجات عملائها، حيث قامت بإطلاق خدمة البطاقات الائتمانية الاستهلاكية، وتسهيل مدفوعات الفواتير والقروض.

وخلال فترة الجائحة، واصلت الشركة تبني نهج المرونة والابتكار والاستجابة لاحتياجات العملاء الذين لم يعتادوا على الوسائل الرقمية لتحويل الأموال، إضافة إلى توفير خدمة توصيل الأموال إلى بعض الأسواق، إلى جانب إطلاق خدمة المساعد الرقمي التي تقدم دعمًا مخصصًا لمساعدة العملاء على إتمام عمليات تحويل الأموال.

وبذلك فقد قدّمت ويسترن يونيون أنموذجًا متميزًا للمرونة المؤسسية والاستجابة لمتغيرات السوق واحتياجاته، ومواكبة آخر الحلول التقنية للحفاظ على مسيرتها الناجحة الممتدة قرابة 169 عامًا.

 

  1. Instagram 

من النادر أن يتعرف أحد على الاسم الأصلي لمنصة الإنستغرام “Burbn”، التطبيق الذي يجمع بين الألعاب وخدمات الوصول إلى المواقع. حيث عمدت الشركة إلى تغيير عدد من الخصائص في منصتها بهدف وضع علامة فارقة بينها وبين تطبيق فورسكوير الرائد في خدمة الوصول للموقع. تضمن ذلك تقليص الخصائص الأخرى والتركيز على خدمة نشر الصور والتفاعل معها. وبهذا ولدت فكرة الإنستغرام الذي أصبح اليوم أحد أبرز المنصات الناجحة مما دفع فيسبوك للاستحواذ عليه بعد سنتين مقابل مليار دولار. ومع تجاوز عدد مستخدمي إنستغرام المليار، ما زالت المنصة تواصل نموها وتحولها في هذا القطاع الذي يتسم بالتنافسية لإطلاق أبرز الخصائص الحديثة لمستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي مثل Stories و  Reels  وخاصة بعد الإقبال المتزايد على تطبيقي سناب شات وتيك توك، بهدف الحفاظ على شعبيتها والبقاء داخل إطار المنافسة.

 

  1. Amazon

بدأت أمازون أعمالها كمتجر إلكتروني لبيع الكتب في 1994، ولكن كان لجيف بيزوس خطط أكبر منذ بداية أعماله حيث أصر على اعتبارها شركة رقمية وليست منصة بيع بالتجزئة. وخلال خمس سنوات، باعت أمازون ما هو أكثر بكثير من مجرد كتب، حيث توسعت مبيعاتها إلى الأسواق العالمية لتشمل الإلكترونيات، وألعاب الفيديو، والألعاب، والموسيقى، والفيديو، وغيرها. وخلال سنوات عملها، قدمت أمازون أنموذجًا لمواكبة متطلبات السوق لتصبح اليوم الشركة التقنية الأولى حول العالم، بقيمة تتجاوز 400 مليون دولار وتحتل الترتيب الخامس ضمن قائمة الشركات الكبرى عالميًا.

تعهدت الشركة منذ بدايتها بإيصال الكتب إلى أي قارئ من جميع دول العالم، ثم أحدثت ثورة في عالم تجارة التجزئة عبر الإنترنت وأعادت تشكيل مفاهيم راحة العميل. ولم تتوقف الشركة عند تجارة الكتب أو أي منتج آخر، بل توسعت أعمالها لتشمل إطلاق جهاز القراءة الآلي “Kindle” وإصدار الكتب الرقمية، وبيع السلع الاستهلاكية الطازجة بداية عبر الإنترنت ثم افتتاح متاجرها المخصصة لبيع هذه السلع.

أطلقت الشركة خدماتها السحابية AWS في 2002 لتوفير البيانات والإحصائيات حول استخدامات المواقع والإنترنت، وأصبحت اليوم المنصة السحابية الأولى في العالم، حيث تحظى بما يزيد على ثلث الحصة السوقية وتساهم في تحقيق 13% من إجمالي عوائد أمازون.

واليوم، مازالت أمازون مستمرة في تطوير أعمالها من خلال التركيز على العملاء، بهدف تحقيق النمو والتوسع المتسارع والوقوف في وجه المتغيرات وتبني نهج الابتكار في كل خطوة

 

  1. Zoom

تقدم منصة زوم خير مثال على أن التحول لا يجب أن يكون بالضرورة استجابة للصعوبات التي تواجهها الأعمال، بل يمكن أن يأتي من خلال التركيز على الفرص الناجمة عن المتغيرات الحالية لتحقيق النمو والتوسع. فمع انتشار الجائحة حول العالم، لاحظت الشركة تأثير الجائحة وبدأت بشكل مباشر في تعليق خاصية الإغلاق التلقائي للمكالمات التي تتجاوز 40 دقيقة لبعض المستخدمين في عدد من المناطق المتأثرة في الصين، ومشاركة محتوى يتعلق بالعمل عن بعد.

وخلال أشهر قليلة، اكتسحت منصة زوم المنافسة بما يصل إلى 300 مليون مشارك في الاجتماعات بشكل يومي، حيث ترى الشركة أن السبب في ذلك يعود لسهولة الاستخدام، والخصائص المميزة والجهود التسويقية وإمكانية إنشاء الاجتماعات والمشاركة فيها بصورة مجانية.

تحتم على الشركة في الفترة اللاحقة الاستجابة للطلب المتنامي في الوقت الذي كانت مكاتبها الداخلية تواجه تحديات الإغلاق والعمل عن بعد. إذ اتجهت للاستثمار في الخدمات السحابية لاستيعاب الأعداد المتزايدة من الاجتماعات والمستخدمين التي تفوق الطاقة الاستيعابية لمراكز البيانات الخاصة بالشركة.

اكتسبت المنصة شهرة واسعة مع تزايد الإقبال على استضافة الفعاليات والاجتماعات عن بعد، إلا أنّها تعرضت للانتقاد بسبب ضعف جودة أنظمة الحماية والخصوصية. تمثلت استجابة الرئيس التنفيذي للشركة لهذه الانتقادات من خلال تحديد فترة تبلغ 90 يومًا للتركيز على تطوير أنظمة الحماية والخصوصية وتعليق العمل على الخصائص الأخرى وهو ما أظهر التزام الشركة بإعطاء الأولوية لتلبية احتياجات العملاء، وحل المشكلات التي تواجههم.

إن جائحة كورونا COVID-19 ساهمت بشكل كبير في تسريع الطلب على الأدوات الرقمية للتواصل والمشاركة، حيث جاءت منصة زوم في طليعة المؤسسات التي تتيح ذلك مكتسبة شهرة وإقبالاً ساهم في تحويل اسم المنصة إلى فعل يستخدم للإشارة إلى الاجتماعات الرقمية.

 

حين يكون التكيف هو الخيار الوحيد

في الوقت الذي تقدم فيه هذه الشركات دورسًا قيمة، إلا أنه لا يمكن الحديث عن التكيف دون التطرق إلى ضرورة التحول وبالأخص إبّان الجائحة. إذ حتّمت جائحة كورونا على الأعمال ضرورة تطويع نماذجها والتكيف من أجل الصمود في وجه المتغيرات. حيث أثرت هذه الأزمة على المؤسسات حول العالم من كافة الأحجام وفي جميع القطاعات. وفي حين أصبحت الكثير من الشركات عرضة للإغلاق، برزت العديد من النماذج المتميزة التي واجهت التحديات وتمكنت من إعادة توجيه أعمالها بنجاح ليس من أجل الحفاظ على استمرارية أعمالها فحسب، وإنما من خلال تقديم فرص جديدة لتحقيق المزيد من النمو.

ولعلّ قطاع الطيران، يعتبر أحد المجالات الأكثر تأثرًا من تداعيات الجائحة، حيث شهدت معدلات الطيران التجاري انخفاضًا شديدًا، حدا بشركات الطيران إلى إلغاء مايصل إلى 90% من رحلاتها المسجلة. وهنا اتجهت بعض الشركات الكبرى مثل فيرجين أتلانتيك ولفتانزا والخطوط الجوية الأميركية إلى انتهاز الفرصة في تشغيل أسطولها لتلبية خدمات النقل الجوي واستخدام مقصورات الطيران الخالية من الركاب لسد فجوة نقل المواد الضرورية.

ومع تطبيق سياسة العمل من المنزل، وجد العديد من الموظفين أنفسهم يفتقرون إلى المساحات اللازمة لإنجاز أعمالهم وتلبية متطلباتهم الوظيفية، في المقابل، كانت الفنادق تعاني من تدني معدلات الإشغال جراء تداعيات الجائحة، مما دفع بهم إلى تقديم خدمات تأجير مساحات عمل مريحة للموظفين العاملين من المنزل لإتمام أعمالهم بأسعار تنافسية، الأمر الذي ساهم في تحقيق مدخول إضافي للفنادق التي تأثرت أعمالها بسبب تدني حركة السفر والتنقلات خلال الجائحة.

 

كما أدى الحجر المنزلي وتطبيق إجراءات التباعد إلى ضعف الإقبال على متاجر السوبرماركت وبالتي أصبحت هذه المتاجر مكانًا مثاليًا لمراكز التوزيع، حيث أتاح ذلك الفرصة لاستمرار الأعمال في تقديم منتجاتها للعملاء. واتجهت بعض المتاجر الكبرى مثل Kroger ،و Whole foodsإلى تبني سياسة المتاجر المظلمة وتحويل بعض متاجرها إلى مراكز توزيع لتلبية طلبات الاستلام والتوصيل بسرعة وسهولة نظرًا لقربها من العملاء.

 

وبين الماضي والحاضر، يمكن القول بأن الخلاصة من هذه القصص والأمثلة واحدة وتتمثل في ضرورة التكيف من أجل الاستمرارية في الأعمال. إذ أنّ من الضروري على المؤسسات من كافة الأحجام وفي جميع القطاعات الاقتصادية تبني ثقافة تقوم على المرونة والتكيف مع المتغيرات مع توظيف التكنولوجيا والابتكار لتحقيق الاستدامة في الأعمال.